أمل الخطيب

لمن نكتب؟

أبريل 30, 2025 | by أمل الخطيب

writing

لفت انتباهي البارحة خبرًا على حساب إحدى القنوات الإخبارية على فيسبوك: ” كاميرا مراقبة توثق سقوط صخرة على مغسلة للسيارات في تركيا”، شاهدت الفيديو بعد ملاحظة شخصين في المكان؛ لأرى كيف سينجوان، فالخبر لم يذكر أن الصخرة ستسقط عليهما ويلقيا مصرعيهما!

استفززت من صياغة الخبر، ولاحظت أني لم أكن الوحيدة، فأشخاص كثر تركوا تعليقات تنتقد الصياغة، أحدهم قال: “لم أدرس الصحافة، ولكن أعلم أن الأشياء الأهم هي التي تذكر في الخبر عادة. يعني لا أعلم هل المغسلة أهم من الشخصين الموجودين في نظركم أم أن محرر الخبر لم ينتبه لوجودهما. ندعو الله لهما بالنجاة.”

استوقفني ذلك لوهلة، وجعلني أطرح تساؤلًا مع نفسي: لمن نكتب؟ هل ضحى المحرر بالإنسان لأجل الخوارزميات التي قد “تعاقب” المنشور إذا ذُكرت كلمات مثل “مقتل” أو “مصرع”؟ أم صيغ العنوان عمدًا ليستفز المتابعين فيتركون تعليقات تعبر عن استيائهم وتزيد من انتشار المنشور؟

ماذا فعلت بنا الخوارزميات؟

ككاتبة ومحررة، أحترم الكتابة كطريقة تواصل فاعلة مع الإنسان. وليس وسيلة تطغى فيها قواعد الشبكات الاجتماعية ومحركات البحث على قيمة المحتوى وهدفه.

استحضر معي الموقف جميع المقالات التي مرت علي مكتوبة بلغة صعبة، مترجمة حرفيًا من بعض المصادر، أو بصياغات مركبة تجد فيها الكلمة المفتاحية محشوة في كل فقرة. لماذا؟ لتعزيز ظهور المقال في محركات البحث بالطبع.

هذا التوجه يفقد الكتابة قيمتها الحقيقية، نحن نكتب للذي يقرأ خلف الشاشة. فقد نقنع الخوارزمية بأننا المحتوى الذي يستحق التصدر. لكن ماذا عن القارئ الحقيقي؟ يجد استسهالًا يستخف بعقله، بديهيات وقوالب مكررة، دون أي قيمة حقيقية مضافة، أو مراعاة لمشاعره.

قد نرى منشور أو مقال يثير فضول المستخدم بتساؤل لا يقدم إجابته حقًا، أو يفتح رابط خبر صادم ثم يفاجأ أن الموضوع يضحد صحة هذا الخبر بطريقة لزجة، أو نكتب “أي كلام” فقط لمواكبة “الترند”، فالكل يتحدث عن الأمر، لم لا نتحدث نحن حتى لو لا نمتلك ما نساهم به؟

من الإنسان للإنسان

هذه الأزمة أثقلت الإنترنت بمحتوى مفرغ من القيمة، لا يراعي النفس البشرية. نحتاج أن نضع الإنسان مركز كل قطعة نكتبها من جديد.

نقدم ما يهمه قبل أي شيء، ونبني حوله التناول. نراعي سلاسة اللغة، أن يقرأ مستمتعًا بالأسلوب الذي نخاطبه به، نطرح تساؤلات تخطر له فعلًا، ونعالج مشكلات تؤرقه بحلول قائمة على الخبرة، التجربة، والتوصية، لا الترجمة أو النقل.

حتى لو نظرنا للأمر من منظور تسويقي؛ فإن المحتوى الذي يحترم الإنسان، لا السلعة أو الآلة، هو الذي يبني علاقة صادقة، وثقة تمتد لفترة تتغير فيها قواعد الخوارزميات أكثر من مرة.

أن نبني المحتوى حول حاجة إنسانية، وقيمة سنقدمها، وليس حول كلمة مفتاحية أو ترند ما، نراعي كيف سيشعر القارئ أو المشاهد أثناء صياغة كل كلمة.

أخيرًا، نحتاج إلى تذكير أنفسنا ككتاب ومحررين كل يوم؛ أن الإنسان هو البوصلة، في وقتٍ تحاول فيه الخوارزميات فرض قواعدها وتضليلنا. ربما نستطيع تطويعها حقًا للمحتوى الذي يستحق من جديد، ونستعيد الأصالة بكتابة تعبر عن إنسانيتنا، فالبشر هم من يستحقون أن تُسرد لهم القصة.