استوديو غيبلي والذكاء الاصطناعي: المفارقة بين الفن الحقيقي والمحاكاة
أبريل 1, 2025 | by أمل الخطيب

كانت أفلام استوديو غيبلي جزءًا من طفولتي ومراهقتي، وعاملًا مؤثرًا في إلهامي كثيرًا من الأوقات؛ Whisper of the heart، وOnly yesterday، وWhen the wind rises، وغيرهم الكثير من الأفلام التي تحمل رسائل صادقة ومؤثرة.
قرأت كيف استغرق عمل كل فيلم، بدءًا من الفكرة وحتى الجهد المضني في رسم كل مشهد، سنواتٍ عدة. أما اليوم، ومع التطور المتسارع الذي نشهده، تزدحم الشبكات الاجتماعية بنمط رسومات غيبلي، يمكن لأي شخص توليدها خلال ثوانٍ عبر الذكاء الاصطناعي.
هذا التطور الذي قال عنه ميازاكي، مؤسس استوديو غيبلي والرسام والمخرج السينمائي: “أشعر أن هذه إهانة للحياة نفسها.”.
اللمسة الإنسانية
تلك التفاصيل البصرية التي تأسرني في كل مرة أشاهد فيلمًا من استوديو غيبلي، ومزيج المشاعر من الأمل، التعاطف، والحزن أحيانًا، هي لمسة مميزة ليست محاكاة، بل من إنسان وظف مشاعره وتجاربه، مدركًا لأبعاد الذات البشرية المعقدة، وسخر التقنية ليوصل رسالته.
برأيي، هذا ما أعطى أفلام استوديو غيبلي قيمتها الحقيقية، وجعلها ناجحة في الوصول إلى أعماق الإنسان.
ارتباط القيمة بالرحلة الشخصية
لا يقتصر الأمر على أفلام غيبلي، بل كل عمل إنساني أصيل. فما الذي جعل لوحات فان جوخ مثلًا تلقى نجاحها الباهر بعد سنوات من موته. سوى ارتباطها بقصته الشخصية، رحلة معاناته، وشخصية فان جوخ بكل ما تحمله من تفاصيل مثيرة.
فرغم أننا نرى الآن مئات الآلاف من لوحة starry night، إلا أنها لوحة واحدة فقط، يصعب الوصول إليها، موجودة للاستلهام والتأمل، ولتقدير الفن الأصيل والتجربة الإنسانية.
الأمر سيان لرسومات غيبلي التي نراها في كل مكان، قد تعجب بمدى تطابق النمط، لكنها تبتعد عن الانبهار باللمسة الشخصية أو تقدير الجهد الحقيقي، لأننا مدركون أنها نتيجة مولدة من الآلة ليس إلا، مجردة من البصمة التي لا تتكرر مهما تقاطعت الرسائل والسياقات.
“نحن البشر نخسر إيماننا بأنفسنا”
المشكلة أن إيقاع الحياة السريع جعل كل شيء قابلًا للاستبدال بالتكنولوجيا، حتى الأعمال التي تعتمد على المشاعر والإبداع الشخصي. مما جعل فكرة إنشاء أي شيء عبر الذكاء الاصطناعي مغرية وسهلة.
لا أدري هل هو كسل، أم قلة ثقة بقدرتنا الحقيقية، وأننا نستطيع إنشاء ما هو أفضل بعشرات المرات. ربما هذا التفكير الذي دفع ميازاكي للقول بأن البشر يخسرون إيمانهم بأنفسهم.
لكن ما ينبغي ألا نغفله جميعًا؛ أن الآلة لا تشعر، مهما عبرّت عن شعور ما؛ كالفقد، أو الفخر، أو اليأس، أو أي فكرة آمنت أنت بها. فهي لم تخض التجربة، أو تقضي ساعات تحدق في السقف حتى تتبلور الفكرة بدقة أو تصل إلى تعبيرٍ صادق، هي تفاصيل تتطلب ما يُبنى بالسنوات والتجارب، وتبدأ بالإيمان بالقدرة والاستحقاق الشخصيين.
الآلة قد تقلد، لكنها لن تبتكر، مهما شاعت نتائجها فستبقى مستندة على جهد إنساني أصيل. لا نريد رفض التكنولوجيا، بل ألا نُفقد الأشياء روحها، ونؤمن من جديد بالجهد الإنساني، بأنه الأقدر على إخراج أي عمل.
أختم باقتباس من فيلم Dead poets society قاله المدرس كيتينج: “يجب أن تسعوا للعثور على أصواتكم الخاصة”، كان هذا هو المحفز للطلاب لكتابة قصيدة رائعة، وهو المحفز في أي مجال آخر يختاره الإنسان؛ شخصك هو اللبنة الأساسية للعمل الحقيقي، الذي يلمس بصدق.