أمل الخطيب

ما بين رمضان الماضي والحاضر

مارس 22, 2025 | by أمل الخطيب

ما بين رمضان الماضي والحاضر

بدأت العشر الأواخر من رمضان، لا أدري كيف يمضي رمضان بهذه السرعة كل عام، أم أن الحياة كلها باتت متسارعة؟ نعيش تناقضًا غريبًا، بين ثقل الأيام وسرعتها في آنٍ واحد.

رمضان 2024، الوطن

رغم أنني كنت وسط الحرب في رمضان الماضي، إلا أنه حمل طيفًا أفتقده. لم نُحرم من صلاة الجماعة يومًا واحدًا، كنا نجتمع للصلاة في الصالة رغم أنها لم تكن “المنطقة الآمنة”، لكنها كانت التي تسعنا. ثم لِمَ نخاف لو كنا سنغادر إلى رب العالمين ونحن نصلي؟

صلاة الجماعة، ولمّتنا كعائلة، وحضور سالم وجعفر، أزواج أخواتي، لنصلي معًا في آخر رمضان لهم في هذه الدنيا. فالحمد لله الذي جمعنا، والحمد لله الذي اصطفاهم عنده.

رمضان 2025، الغربة

كنت أرجو لليوم الذي أسافر فيه وأخوض غمار الغربة والاستقلالية. لماذا كانت هذه المسؤولية مزينة لذلك الحد في نظري؟ وأنا الآن أجاهد لحملها!

لكلّ منا تجربته، لكن صدقني، شعور رمضان في الغربة ستجدنا جميعنا متفقين على شدة وطأته.

رغم الأجواء الرمضانية هنا، ولمات إفطار الأصدقاء بين الحين والآخر، إلا أن لا شيء يضاهي العائلة، وأصدقاء الطفولة، وصوت صلاة الفجر والتراويح من المسجد الملاصق لمنزلك.

لقمة مغمسة بالدم

قبل أيامٍ قليلة، عاد كابوس الحرب مجددًا، رغم أنه لم يغب يومًا. رائحة الموت والرماد لم تترك غزة، لكن الناس حظوا بعدة ليالٍ خالية من القصف، بالنوم دون الخوف من انهيار السقف عليهم، أو احتراق الخيمة بهم.

عادت الحرب، وأصبحت كل لقمة أبتلعها كأنها مغمسة بدم الأطفال الذين يُقتلون في اللحظة. نحن الشعب الذي يستحق الحياة أكثر من أي شيء، تُباع أرواحنا مقابل تصفيق فئةٍ واستهجان أخرى. وها أنا أعيش المفارقة، بين عالمٍ أنتمي إليه ولا أصله بجسدي، وعالمٍ يبدو موازيًا يجب أن أندمج فيه.

مفارقة الدعاء

في كل رمضان، لي باقة أدعية أكررها، ورجاءٌ خاص بيني وبين الله. أما رمضان اليوم، فلم أعد أرسم المستقبل بدقة وأحدد ما أريده بالضبط، لا أدري هل هو إدراكٌ أخيرًا أن الإنسان لا يعلم الغيب وخبايا الأمور، فيعمى أحيانًا عن شرها، وأحيانًا أخرى عن خيرها؟ أم أنه عدم رغبة حقيقية في شيء.

في الحالتين، أنا اليوم وبكل صدق، أفوض أمري إلى الله، وأرضى بما قسمه لي. أدعو أن ييسر كل عسير، أن يمهد لي طريقي بالخير والرضا، وأن يحفظ أهلي من كل سوء. لا أريد أكثر من ذلك.

رجائي لرمضان القادم

فكرت اليوم كيف نشعر برتابة الحياة، لكن في الوقت ذاته، كيف تختلف أدعيتنا كل رمضان؟ إما لأن رجاءنا الماضي تحقق كما نريد، أو استوعبنا أبعاده فاستغنينا، أو تحقق بطريقة أخرى يراها الله الأنسب لنا.

رمضان القادم، أرجو أن أعود لصلاة الجماعة مع أهلي، في الصالة ذاتها، وصوت أبي يقرأ القرآن ويجهش عند كل آية جهاد. أن نجتمع على الإفطار بحضور أخواتي، ونضحك مجددًا، ونسهر معًا بحجة انتظار السحور وصلاة الفجر.

أريد أن أزور صديقتي وجارتي بعد التراويح، ونقضي الساعات كالدقائق، وأتفق مع صديقاتي للإفطار سويًا. أريد الحياة مجددًا، تلك التي كنا نشعر برتابتها ونتوق لمغادرتها. غريبٌ كيف يحتل الحنين قلوبنا حتى ننسى لماذا كنا نتمنى تغير حالنا.
رمضان القادم، لا أريد حربًا.

RELATED POSTS

View all

view all