قبل احتراف التسويق الرقمي، كنت أحب المشاركة في مشاريع ذات أثر ثقافي، بيئي، أو اقتصادي. كان هذا دافعًا لإطلاق مشروعي “الخزانة الخضراء” عام 2020، اخترت معالجة قضية استهلاك الملابس وأثرها على البيئة والاقتصاد. أردت خلق نموذج يتيح للمجتمع الاستفادة والمساعدة في الوقت ذاته، بوعي أعلى تجاه قيمة الموارد.
رغم تقبّل الفكرة من العائلة والأصدقاء، التحدي الحقيقي كان تغيير نظرة المجتمع لثقافة بيع وشراء الملابس المستعملة. كانت التوجه السائد يفضّل الاستهلاك السريع، متجاهلًا الأثر البيئي والاقتصادي، وغافلًا عن قيمة مفقودة لبناء مجتمع مسؤول.
التسويق كنقطة تحوّل
كنت مؤمنة بالفكرة، وأدرك أهمية إيصالها والترويج لها بالشكل الصحيح للنجاح. ومن هنا دخلت عالم التسويق بدافع التأثير بعالم أفضل.
فهمت تفضيلات الجمهور ومشكلاتهم، واخترت الموازنة بين احتياجاته والوعي بدور هذه الثقافة مجتمعيًا. ومع الوقت، لاقى المشروع صدى لم أتخيله.
الخزانة الخضراء أصبحت عادة جديدة تتشكل بين الأفراد وتخدم المجتمع. والفضل يعود لرسالة تسويقية حملت قيم وطريقة سرد زرعت وعي جديد لم يكن ضمن أولويات المستهلك.
التأثير للأفضل أو الأسوأ
مثلما يستطيع التسويق خلق وعي إيجابي، يمكنه في المقابل المساهمة في تضخيم الاستهلاك، ودفع الناس لاتخاذ قرارات لا تخدمهم حقيقةً، أو تؤثر سلبًا على شخصياتهم. كل ذلك يتعلق بنية الرسالة وقيمتها قبل أي استراتيجية أو أداة.
كثير من الشركات تجعل أهدافها البيعية تغطي على قيم مجتمعية أساسية، متجاهلة التأثير السلبي الذي ستصنعه. صادفت مرة مقال بعنوان “كيف تستغل التسوق الاندفاعي لجمهورك في زيادة مبيعاتك؟” وتساءلت عن القيم التي نحملها.
مثل هذا المحتوى يخلق ثقافة استهلاكية متوترة، باستغلال حالات عاطفية أو مواسم لمبيعات أكثر فقط، فنؤسس مجتمع يسعى إلى النتيجة بغض النظر عن أثرها الحقيقي.
المسؤولية لا تعني أرباح أقل
أؤمن أن العلاقة المستدامة مع الجمهور تنطلق من تسويق مسؤول، يضخ قيمة خلف المنتج، ويركز على منطق كيف نحسّن حياة المستخدم بصدق وشفافية.
أنجح الحملات التي عملت عليها هي التي تطرح أسئلة وتناقش أفكار من زوايا جديدة، هدفها رفع المستوى المهني، وتقديم معرفة تؤدي إلى القرار الصحيح وليس الشراء أكثر. فعندما نقدّم المنتج كعامل يساعد المستخدم ليكون أفضل، تصبح الرسالة أكثر إقناعًا، ونحقق صفقة win win للطرفين.
في المقابل، التسويق الذي يضغط على نقطة ألم لا يعالجها، أو تعزز نتيجته الألم في جانب آخر، يدخلنا في سباق تسويقي غير صحي، ومبالغات قد تعزز رغبة الجمهور بالنتيجة بغض النظر عن الوسيلة.
كما أن المستهلك اليوم أكثر ذكاءً ووعيًا باحتياجاته الحقيقية، لم تعد الوعود الفضفاضة تلفته.
من مسوق إلى صانع وعي
دورنا أكبر مما نعتقد. نحن نتحكم بالرسائل التي تؤثر بالناس كل يوم. في عالم مليء بالحروب والأزمات والفائض الاستهلاكي، أصبح لزامًا علينا خلق عادات أكثر هدوءًا وأقل ضغطًا.
عوضًا عن التركيز على تغذية التوجهات السلبية التي تقلل الأثر الإنساني وتزيد تحكّم الآلة، أو تدعم التوجه الاستهلاكي دون وعي، نبدأ بتأطير أفكار أسمى، تطوّر القدرات البشرية لعالم أفضل.